مدارس وأكاديميّات

بين الميزانيات الحكوميّة والمسؤوليّة المحليّة: رؤية جديدة لتمكين الشباب العربي في ظل تحديات “خطة تقدّم 550”

بقلم: د. يعقوب سعيد غنايم

“باحث وخبير بمجال الشباب بالمجتمع العربي، مدير سابق لقسم ومركز شباب بلدي ومندوب المجتمع العربي سابقًا بلجنة إدارة أقسام ومراكز الشباب بالدولة، مدير مشروع الرقميّة بالمجتمع العربي”.

تضعنا الأنباء الأخيرة حول التقليصات المتوقّعة في ميزانيات الخطة الحكومية 550 “تقدم”، وتحديدًا تلك التي تمس شريحة الشباب، أمام مفترق طرق حقيقي ومحطة هامة للمراجعة والتفكير الاستراتيجي. إن الحديث عن اقتطاع جزء من الميزانيات المخصصة للسنوات القادمة لا يجب أن يكون مجرد مدعاة لليأس أو الإحباط، بل يجب أن يتحول إلى “جرس إنذار” يدفعنا لإعادة ترتيب أولوياتنا داخل البيت الداخلي للمجتمع العربي.

بصفتي مُمارسًا مَيدانيًا أدار قسم شباب بلدي لسنوات، وباحثًا ومتابعًا أكاديميًا لسياسات التمكين، أؤمن أن “الحصانة المجتمعية” لا تُبنى فقط بالاعتماد على الموارد الخارجية – رغم أهميتها القصوى – بل تبدأ من رؤية القيادات المحليّة ومدى إيمانها بأن الشباب هم الرافعة الحقيقية لأي نهضة مرتقبة.

المسؤولية المحلية: ميزانية، لجنة، ومأسسة

آن الأوان لكي تتعامل سلطاتنا المحلية العربية مع ملف الشباب كملف “سيادي” واستراتيجي هام. التحدّي الحقيقي اليوم أمام رؤساء السلطات المحلية، ونحن في موسم إقرار الميزانيات، هو اتخاذ قرارات جريئة تُترجِم الشعارات إلى واقع عبر خطوات عمليّة:

أولاً: الميزانية الذاتية

المطلوب رصد ميزانية ثابتة من “الميزانية العادية” للسلطة المحلية، تتراوح ما بين 250,000 إلى 300,000 شيقل للعام 2026، وتزداد من عام لآخر، تُخصَّص حصرًا لفعاليات وبرامج قسم الشباب ومراكز الشباب. هذا المبلغ هو الحد الأدنى لضمان استقلالية القرار وبناء خطط طويلة الأمد لا تخضع لتقلبات السياسات الحكومية.

ثانياً: اللجنة البلدية للشباب

لا يعقل أن تغيب قضايا الشباب عن طاولة المجلس البلدي وأجندته. أدعو لإقامة “لجنة شباب بلدية” يرأسها عضو مجلس مُنتخب، تمامًا كلجنة التربية والتعليم أو لجنة الرياضة. وجود هذه اللجنة يعطي “الغطاء السياسي” لعمل مدير قسم الشباب المهني، ويضمن وضع قضاياهم على رأس جدول الأعمال بشكل دائم ومُمنهج.

إدارة الموارد وتوحيد الجهود: “رُواد” و”ريان” نموذجاً

في الوقت الذي ندعو فيه للاعتماد على الذات، علينا إدارة الموارد الخارجية المتاحة بذكاء ومهنية. لدينا برامج حكومية هامة وممولة مثل برنامج “رواد” للتعليم العالي، ومراكز “ريان” للتشغيل والتوجيه المهني.

إن دور السلطة المحلية ليس مجرد السماح لهذه البرامج بالعمل في حيّزها، بل بناء شراكات فعالة وحقيقية معها. يجب أن تعمل هذه البرامج ضمن رؤية السلطة المحلية الشاملة، وبإشراف مهني يضمن جودة الخدمات المقدمة لشبابنا، لتعزيز “التوجيه المهني” المدروس وربط الشباب باحتياجات السوق الحقيقية، ومنع الازدواجية في العمل.

نداء للجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية

إن هذا التغيير المنشود يتطلب مظلة قيادية جامعة. وهنا أتوجه للإخوة في اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية، لأخذ دورهم الريادي في هذا الملف.

إننا نتطلع لصدور قرار استراتيجي أو توصية مُلزمة من اللجنة القطرية لكافة الرؤساء، بتبني “نموذج الميزانية الذاتية للشباب” كمعيار أساسي في بناء الميزانيات القادمة. كما ننتظر من اللجنة القطرية قيادة الحراك المهني والسياسي أمام الوزارات لمنع التقليصات، فصوت الـ 67 سلطة محلية مجتمعة أقوى بكثير من الأصوات المنفردة.

عدم التنازل عن الحقوق: التكامل لا التناقض

إن تعزيز الميزانيات المحلية والشراكات لا يعني إعفاء الحكومة من مسؤولياتها، أو التنازل عن شيكل واحد من الخطة 550. هذه الميزانيات حق وليست مِنّة. معادلتنا الجديدة واضحة: السلطة المحلية توفر “القاعدة الصلبة” (ميزانية ذاتية + لجنة فاعلة)، والميزانيات الحكومية تأتي لتطوير وتوسيع البناء والتأثير.

خلاصة ورسالة

إننا أمام فرصة ذهبية لإعادة صياغة العقد الاجتماعي بين السلطة المحلية وشبابها وشابّاتها. أدعو رؤساء السلطات المحلية وأعضاء المجالس البلدية -أثناء جلسات المصادقة على الميزانيات- إلى العمل الجادّ والمسؤول: ثبتوا بند ميزانية الشباب، وشكلوا لجان الشباب الفاعلة.

فلنكن نحن المبادرين، ولنثبت أننا حريصون على مستقبل أبنائنا أكثر من أي طرف آخر. الحفاظ على الميزانيات الحكومية هو معركة سنخوضها بقوة، لكن بناء الإنسان ومأسسة العمل هو مهمتنا نحن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى