الأخبار الرئيسيةقبسات إخباريةمحطات فكرية

مقالة الشيخ كمال خطيب: “العرب بين ترغيب طنبورة وترهيب ترامب”

الشيخ كمال خطيب

ليس جديدًا ولا هي حالة استثنائية أن يعيش العرب حالة الذلّ والهوان بأن يتسلّط عليهم غيرهم، فيحتلون أرضهم وينهبون خيراتهم ويذلّون رجالهم، بل ولعلّهم ينتهكون حرمة نسائهم وأعراضهم.

وسواء كان الاحتلال على الطريقة الإسرائيلية كاحتلال الجولان والضفة الغربية وغزة وبقوة السلاح، والزعم أن هذه المناطق هي جزء من أرض إسرائيل التوراتية، وأنه لن يتم الانسحاب منها، أو سواء كان الاحتلال على الطريقة الأمريكية والروسية حينما يتم إقامة قواعد عسكرية برية أو بحرية على أراضي دول عربية، بزعم أنها اتفاقية ثنائية وأنها تأتي ضمن تحالفات استراتيجية، وغيرها من التعريفات والمصطلحات كما هو حال القواعد الأمريكية في السعودية وقطر والإمارات والبحرين والكويت ومصر والأردن وغيرها من الدول العربية، حيث تصبح هذه القواعد مناطق نفوذ خاصة لا يستطيع بل يُحرم على أبناء تلك الدولة العربية الاقتراب منها.

ومثل هذا الحال لم يكن ليحصل لولا حالة الذلّ والهوان والضعف التي تعيشها أنظمة هذه الدول، حيث تعيش بين الخوف من أمريكا وعدم قدرتها أن تقول لها لا، والخوف من الشعوب وغضبتها فيصبح وجود قوات الاحتلال بمبرر الدفاع وحماية هذه الأنظمة من جيرانها ومن أبنائها، وما كان هذا ليحصل لولا بُعد العرب عن الإسلام وانسلاخهم عنه وهو الذي كان مصدر عزتهم وقوتهم.

وقبل الإسلام فقد كانت بلاد العرب عرضة للغزو والاحتلال من القوى العظمى يومها، الفرس والروم والأحباش، بينما القبائل العربية منشغلة فيما بينها بحروب وصراعات على أمور تافهة كحرب البسوس وحرب داحس والغبراء وغيرها.

لقد كانت بلاد اليمن خاضعة للاحتلال الحبشي، وكانت بلاد الشام ومصر خاضعة للاحتلال الروماني، وكانت بلاد العراق وشرق الجزيرة العربية خاضعة للاحتلال الفارسي، لا بل إن عرب العراق قد انقسموا في ولاءاتهم للمحتلين، فكان العرب الغساسنة خاضعين لسلطة ونفوذ الروم، بينما كان العرب المناذرة خاضعين لسلطة واحتلال الفرس يذلّونهم ويستعبدونهم وينهبون خيراتهم.

العرب وين وطنبورة وين؟

تحكي القصة أنه خلال إحدى حملات الفرس على أرض العراق، حيث وصلت طلائع الحملة العسكرية الفارسية قريبًا من مضارب إحدى القبائل، وخلال طريق زحفها، فقد تناقلت الركبان كيف أنهم قتلوا الرجال وسبوا النساء ونهبوا الأموال.

وكان فارس شهم من تلك القبيلة وقد سمع بما فعله الفرس بقبائل عربية مثل قبيلته، فأسرع إلى بيته ليمتشق سيفه ويركب فرسه ويمضي إِلى حيث وصل الفرس من أجل قتالهم والوقوف إلى جانب أبناء القبائل الأخرى عصبية وحمية للعرب.

وكان لهذا الفارس العربي الشهم زوجة تسمى “طنبورة”، وكانت قد تجمّلت وتزيّنت وأعدّت نفسها لزوجها كأجمل وأحسن ما تكون الزينة ويكون الإعداد.

دخل زوجها البيت مسرعًا وقد رآها على ما هي عليه دون أن تعلم بما سمعه زوجها عن غزو الفرس لقبائل العرب في العراق، وكانت تظنّ أن زوجها ما أن يرى ما هي عليه من الزينة، فإنها ستسلبه عقله وينشدّ إليها ويقضي معها ليلته، لكنها تفاجأت وهي تراه يمتشق سيفه ويركب حصانه ويمضي، فراحت تناديه أن “هيت لك” كما قالت امرأة العزيز ليوسف وهي تريد غوايته، أما هو فراح يتمتم ويقول: “العرب وين وطنبورة وين؟!”.

وقد أصبحت هذه العبارة مثلًا شعبيًا يرددّه العراقيون حينما يريدون الحديث وتشبيه من ينشغل بالترهات وتوافه الأمور على حساب عظائم الأمور، وعمّن هو في واد وشعبه وأهله في واد آخر، وعمّن لا يشعر بشعور الآخرين من الأهل والعشيرة.

فكم من الناس في مجتمعنا وأبناء شعبنا والذين رغم الألم والجراح، ورغم الجوع والدموع، ورغم التهجير والتشريد، ورغم المرض والبرد، ورغم أكثر من سبعين ألف شهيد من أبناء شعبنا الذين هم من دمنا ولحمنا وعرضنا، إلا أنهم يصرّون على إقامة الأعراس كاملة غير منقوصة، لا بل والله، إنها مظاهر ترف وبذخ لم تكن في الماضي القريب ولا البعيد، إنها الحفلات والغناء والشعراء وكأن ما حدث في غزة لا يعنيهم ولم يسمعوا به حتى يقول القائل عنهم: العرب وين وطنبورة وين؟!

وكم من الشباب الذين يجيبون شوارع قرانا ومدننا إما بسياراتهم تنبعث منها أصوات الغناء والموسيقى، وإما أنهم يتجوّلون ويركبون سيارات الدفع الرباعي “التراكترون” بصوتها المزعج وموسيقاها الصاخبة المنبعثة حتى ساعات متأخرة من الليل، لا يراعون حرمة للبيوت ولا للنائمين ولا للعمال ولا للأطفال ولا للمرضى، وكأن الواحد منهم يعيش في جزيرة مستقلة لا يهمّه أحد ولا يشغله شعور أحد، وعنهم يقول القائل: العرب وين وطنبورة وين؟!

وأولئك الذين أصبحوا لعنة على مجتمعنا يمتهنون عمل العصابات الإجرامية للابتزاز والخاوة والعربدة وتجارة المخدرات.

إنهم أولئك الذين أصبحت قيمة الإنسان من أبناء شعبهم لا تساوي خمسة آلاف أو عشرة آلاف شيكل يأخذونها مقابل قتل شخص بناء على طلب وتكليف فلان.

إنهم الذين لا يهتزّ لهم بدن ولا يوخزهم ضمير ولا تتحرّك فيهم بقايا إنسانية على طفل يبكي وقد أصبح يتيمًا، وعلى زوجة وقد أصبحت أرملة وهي لم تبلغ سن الخامسة والعشرين، وعلى أمٍ أصبحت ثكلى، فعن هؤلاء يقول القائل: العرب وين وطنبورة وين؟!

وإن من ينظر إلى الحالة الاجتماعية في محيطنا العربي في الدول والممالك فيرى كيف يُشغل زعماء العرب شعوبهم بتوافه الأمور بينما الأمة تعيش حالة من الكرب والبلاء والذلّ والهوان.

لقد أقيمت في السعودية بلاد الحرمين “هيئة الترفيه ونشر المنكر” بعد شطب وإلغاء “هيئة الأمر بالمعروف والنهيّ عن المنكر”، وأن مسؤول هذه الهيئة تركي آل الشيخ هو بمرتبة وزير حيث لا شغل له إلا إغراق الناس هناك في مهرجانات الغناء والرقص والأزياء والمصارعة والمسرحيات وغيرها.

لقد وصل الأمر إلى حدّ أنه لمّا خطب الشيخ صالح بن حميد في المسجد الحرام الخطبة الأخيرة 12/12 وفيها دعا لاتخاذ أطفال غزة وفلسطين قدوة في الصبر والشجاعة، فإنه بعد ساعات فقد تم حذف المقطع من الخطبة على القنوات الفضائية السعودية، بينما هي نفس القنوات التي تبث برامج الترفيه والفساد والخلاعة وقدوات السوء من الرقّاصين والرقّاصات، وعندها فلا يسعك إلا أن تقول: العرب وين وطنبورة وين؟! العرب وين وتركي آل الشيخ وين؟!.

وإنها مهرجانات الغناء التي اشتهرت في شرم الشيخ في مصر وفي جرش في الأردن وفي أبو ظبي ودبي وبيروت، وإنها مباريات كرة القدم التي تخصّص لها الميزانيات والفضائيات، والتي لو كان الظرف عاديًا لكانت مثل هذه المباريات عادية، ولكن أن تتصدر هي المشهد وتنشدّ إليها الأنظار في أوج المحرقة والمجزرة الدموية التي تقع على أهلنا وأبناء شعبنا في غزة وفي أوج الاستهداف للمسجد الأقصى المبارك ومشاريع التهويد فيه، وإقامة الصلوات والشعائر الدينية اليهودية التلمودية فيه. إنك وأنت ترى كل هذه المشاهد والسلوكيات والانشغال بالأمور التافهة بينما الأمة تعيش حالة ذلّ وهوان ومجازر ومحارق وتدنيس مقدسات، فلا يسعك إلا أن تقول: العرب وين وطنبورة وين؟!

فكيف يلتقي سلوك العرب المسلمين في هذه الأيام مع ما قاله ﷺ: “مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”.

وكيف يلتقي حال هؤلاء الزعماء والملوك الذين يشغلون ويغرقون شعوبهم بمشاريع الترفيه واللهو والمجون في ظلّ ما يجري ويقع على إخوتهم في غزة والسودان، وفي ظلّ ما يقع على المسجد الأقصى المبارك قبلتهم الأولى ومسرى حبيبهم ﷺ؟!. كيف يلتقي هذا مع ما كان عليه صلاح الدين الأيوبي من حزن وألم حينما كان المسجد الأقصى المبارك تحت الاحتلال الصليبي يدنّسه ويهين من يأتون للصلاة فيه، حتى أنه ما كان يبتسم ولا يضحك فلما سئل عن ذلك، قال: إني استحي من الله أن أضحك وما يزال المسجد الأقصى بيد الصليبيين”.

العرب وترامب

لقد قال ذلك الفارس العربي الشهم الذي حرّكته نخوته للانتصار للعرب من غير قبيلته قد سمع زوجته تناديه قائلة: “هيت لك”، فكان جوابه لها وهو مسرع وعلى فرسه جملته التي أصبحت مضرب الأمثال: “العرب وين وطنبورة وين؟!”.

ترى فماذا عسى ذلك الفارس الشهم أن يقول لزعماء وقادة العرب رؤساء وملوك وأمراء وهم الذين يحرّكهم ترامب بأصبعه فيأتون إليه صاغرين يحملون أقلامهم للتوقيع على اتفاقيات وسياسات لا تصبّ إلا في مصلحة إسرائيل. هؤلاء الزعماء الذين يأتي إليهم ترامب فيرجع وقد امتلأت خزائنه وبنوكه بترليونات العرب.

إنه ترامب يا عرب الذي لم تتشكل في تاريخ الولايات المتحدة حكومة إنجيلية عنصرية صليبية أكثر من حكومته، وهي أشدّ كراهية وعداء للعرب والمسلمين.

وإنه ترامب يا عرب الذي لم يتجرأ أي رئيس أمريكي قبله بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، بينما فعلها هو في العام 2018 وتحديدًا يوم 14/5/2018 في نفس ليلة ذكرى النكبة الفلسطينية 15/5/1948، متماشيًا بذلك مع إعلان حكومة إسرائيل أن القدس الغربية التي احتلت عام 1948 والقدس الشرقية التي احتلت عام 1967 هي عاصمة إسرائيل الموحدة وإلى الأبد، وأنها لن تقسّم بعد اليوم ولن تكون عاصمة لدولة فلسطينية أبدًا.

وإنه ترامب يا عرب الذي لما استقبلتموه في الرياض في أول زيارة خارجية له بعد فوزه في رئاسته الأولى وتحديدًا يوم 20-21-/5/2017 فإنه قد غادركم وقد أغرقتموه بالتصفيق وبالمليارات وأنتم زعماء 22 دولة عربية و55 دولة إسلامية، وقد طار من الرياض إلى القدس الشريف ومباشرة إلى حائط البراق يلبس هناك الكيباه اليهودية ويصلي عنده برفقة نتنياهو باعتباره حائط مبكى اليهود وليس حائط براق المسلمين والعرب.

وإنه ترامب يا عرب الذي أمدّ حكومة وجيش إسرائيل بالطائرات والصواريخ والمسيّرات وكل آلة الحرب التي قتلت سبعين ألفًا من العرب الفلسطينيين الناطقين بالضاد مثلكم في غزة وما يزال يفعلها حتى هذه اللحظة.

يا أمة الخير والأمجاد لا تهني    فأمنياتك لم تفشل ولم تخب

فمنك سعد يلاقي الفرس قاطبة      في القادسية لم يجبن ولم يهب

ومنك خالد المقدام يدفعه        إيمانه في سبيل الله في اللهب

وطارق منك كالتمساح منطلقًا       في اليمّ مضطربًا أو غير مضطرب

ومنك أيضًا صلاح الدين يصلح ما      بأنفس الناس من سوء ومن عطب

ومنك قطز وبيبرس وقد جعلا      جيش التتار يلاقي شرّ منقلب

فمن يذكّر أبناء العروبة والإسلام     بالعزّ والإكرام والغلب

ومن يقصّ عليهم ماضيًا عطرًا     ومن يذكّرهم بالفتية النجب

أبو رغال وأبو شباب

إنهم العرب، مرة يقعون تحت تأثير إغراء وترغيب طنبورة ومرة يقعون تحت تأثير وأوامر وترهيب ترامب. ولكنه العربي يومها نجح في أن لا يقع تحت تأثير طنبورة وخرج مدافعًا عن كرامة العرب وأرضهم، بينما زعماء العرب اليوم خرّوا راكعين ساجدين أمام ترهيب ترامب.

وإذا كان ذلك العربي قد قال يومها: العرب وين وطنبورة وين؟! فلنا أن نسأل اليوم عبيد ترامب من العرب ونقول لهم: العرب وين والكرامة وين؟! العرب وين والشهامة وين؟! العرب وين والمروءة وين؟!.

إنهم العرب الذين كانوا في جاهليتهم متقوقعين في أرضهم بينما يتعرّضون للغزو والاحتلال، مرة من الفرس ومرة من الروم ومرة من الأحباش، فما أن أكرم الله العرب بالإسلام وإذا بهم خلال 23 سنة ينطلقون من الأرض كانوا فيها عبيدًا للفرس والروم إِلى أن تصبح عواصم الفرس والروم والمدائن ودمشق والقسطنطينية مدنًا صغيرة داخل حدود دولة الإسلام، لا بل أن يصبح البحر المتوسط الذي عرف بالتاريخ  ببحر الروم ليصبح بحيرة داخل حدود الدولة والإمبراطورية الإسلامية، بينما المسلمون هناك في الأندلس وفي جنوب فرنسا في صقلية وفي البلقان حتى النمسا وهناك في القسطنطينية.

سل خلف بحر الروم عن عرب        بالأمس كانوا هنا ما بالهم تاهوا

فإن تراءت لك الحمراء عن كثب        فسائل الصرح أَينَ المجد والجاه

وانزل دمشق وسائل صخر مسجدها     عمّن بناه لعلّ الصخر ينعاه

وطف ببغداد وابحث في مقابرها      علّ امرء من بني العباس تلقاه

هذي معالم خرس كل واحدة        منهن كانت خطيبًا فاغرًا فاه

أَينَ الرشيد وقد طاف الغمام به       فلما تجاوز بغدادًا تحدّاه

 

إنهم العرب كان فيهم يومها التافه أبو رغال عميلًا وجاسوسًا للأحباش القادمين لهدم الكعبة. وإنهم العرب فيهم اليوم التافه أبو شباب عميلًا وجاسوسًا لإسرائيل التي تذبح أهله في غزة وتهدد بهدم المسجد الأقصى المبارك.

لكن العرب يومها، كان منهم  قادة وزعماء عملاء ومأجورون أمثال شاور وابن العلقمي والصالح إسماعيل وغيرهم، فإن في العرب اليوم زعماء عملاء أصحاب جلالة وفخامة عدمت فيهم معاني النخوة والمروءة، أصبحوا عبيدًا وعملاء لترامب ونتنياهو ولا تشغلهم عظائم الأمور بينما هم منشغلون بالصغائر والتوافه منها. هؤلاء الذين لا فارق بين أحدهم الطنبور وبين طنبورة، حتى لكأن كل عربي في هذا الزمان يصرخ فيهم ويقول: العرب وين والطنابير وين؟! لكن ومع ذلك، فنحن إلى الفرج أقرب فأبشروا.

رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة.

والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى