مقال الشيخ كمال خطيب: “رغم حريق الأقصى ومحرقة غزة: يا رجال الله اثبتوا”

الشيخ كمال خطيب
الصبر والأمل والتفاؤل، إنها أفضل المراهم، وإنها البلسم يوضع على جرح اليأس فيبرأ بإذن الله تعالى. فإذا كان أعداؤنا بظلمهم وبطشهم لا يألون فينا إلًّا ولا ذمة، فإن هناك من هم أخطر منهم، إنهم المثبطون والميئّسون والمخذّلون الذين يبثون ويشيعون بين المسلمين معاني الإحباط والتشاؤم وأن الأمة في النزع الأخير ولن تقوم لها بعد اليوم قائمة. أولئك الذين يقولون إنهم يريدون الحياة ولو كانت تحت حذاء وبسطار الظالم والمحتل.
فيكون الردّ والجواب على هؤلاء ليس فقط برفض ما يقولون وعدم ترديد ما يشيعون، وإنما يكون بإشاعة معاني الأمل والثقة واليقين، لأن ما تمرّ به الأمة ما هو إلا حالة مرضية ستشفى منها، وكبوة ستنهض بعدها، وسحابة صيف ستنقشع، وأن الأمة قد مرّت بمثل هذه الظروف بل وأصعب، وأنها تجاوزتها، وأنها نهضت من بين الركام كما تنهض العنقاء من قلب الرماد.
وكيف نيأس، وكيف نحبط، وكيف نتشاءم وربنا جلّ جلاله يطمئننا ويقول: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ*إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}[138-140 سورة آل عمران].
وكيف نيأس وكيف نحبط وكيف نتشاءم وحبيبنا محمد ﷺ يوصينا ويذكّرنا بقوله: “واعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرًا”.
فإذا قال اليائسون والمحبطون والمخذّلون بأن أعداء الإسلام يقاتلوننا، وأن زعماء العرب والمسلمين يخذلوننا ويتآمرون علينا، وأن قادة فلسطينيين وتنظيماتهم باتوا يخدمون الاحتلال الذي يقتل شعبنا، فهذا يعني أن كل الأبواب قد أغلقت ولا باب سيفتح بالفرج بعد اليوم.
لهؤلاء نقول إنه يحصل أحيانًا مع أحدنا أن يغلق بابًا لغرفة في البيت أو يغلق الباب الرئيسي في البيت أو المكتب ثم يضيّع المفتاح فيبحث عنه في كل زاوية ولا يجده فيتذكر أن هناك حزمة مفاتيح فيأتي بها ويبدأ يجرّب مفاتيحها الواحد تلو الآخر لعلّه يفتح الباب الذي ضاع مفتاحه. إنه قد يجرّب عدة مفاتيح فلا تفتح الباب فيغضب وييأس ولكنه لو صبر واستمر فلعلّ آخر مفتاح في الحزمة يكون هو الملائم وبه سيفتح الباب المغلق.
وإذا كانت أبواب البشر قد أغلقت في وجوهنا، وإذا كانت أبواب أمريكا وروسيا والأمم المتحدة والجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي قد أوصدت وأغلقت، فإن باب الله لا يغلق وأن المفتاح الذي عليه يعلّق الأمل فإنه الإسلام الذي سبق وجرّبناه، ليس أنه به فتحت أبوابنا المغلقة والأزمات التي مرّت بها الأمة، بل إن بالإسلام فتحنا أبواب الأمم التي كانت مغلقة، ففتحنا أرضها وفتحنا قلوب أبنائها.
اللهُ للدّينِ كم ظلمًا أهين وكم ظنّوه نقصًا وفي التفكيرِ نقصانُ
سل صفحة الأمس عمّن أيدوه أما كانت لهم في نواحي الأرض تيجانُ
دين الحضارة والأخلاق أسعدهم فمذ أهانوه قد ذلّوا وقد هانوا
عدل من الله تأييدًا لسنته حظّ المقصر إقصاء وحرمانُ
يا قوم لوذوا بحبل الله واعتصموا إن الدواء لداء العرب قرآنُ
فإذا كان القرآن هو الدواء لدائنا المستعصي، فإنه الإسلام هو المفتاح لبابنا المغلق والموصد. فإذا قال لك اليائسون والمحبطون والمخذّلون إن كل الأبواب أغلقت وأن كل المفاتيح جُرّبت فلا تيأس وصمّ أذنيك عن سماع أسطوانتهم المشروخة، وكن على يقين أن الفتح الرباني لعلّه يكون في آخر مفتاح في حزمة المفاتيح.
نعم إنه وبعد إذ يكون اليأس من البشر، يكون الفتح والفرج من ربّ البشر سبحانه {حَتّىٰ إِذَا ٱسۡتَيۡـَٔسَ ٱلرُّسُلُ وَظَنُّوٓاْ أَنَّهُمۡ قَدۡ كُذِبُواْ جَآءَهُمۡ نَصۡرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَآءُۖ وَلَا يُرَدُّ بَأۡسُنَا عَنِ ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡمُجۡرِمِينَ}[109 سورة يوسف].
إذا أرهقتك هموم الحياة ومسّك منها عظيم الضرر
وذقت الأمرّين حتى بكيت وضجّ فؤادك حتى انفجر
وسدّت بوجهك كل الدروب وأوشكت أن تسقط بين الحفر
فيمم إلى الله في لهفة وبث الشكاة لربّ البشر
حريق الأقصى ومحرقة غزة
يوم أمس الخميس 21/8 كانت ذكرى حريق المسجد الأقصى المبارك من العام 1969، يوم امتدت إليه يد الغدر الصهيونية فأشعلت فيه النيران وتحديدًا في منبره الذي قدمه الفاتح صلاح الدين الأيوبي هدية للمسجد الأقصى يوم حرره من الاحتلال الصليبي في معركة حطين في العام 1187 ميلادي.
بعد حريق المسجد الأقصى المبارك كانت غولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل يومها قد قالت أنها لم تنم تلك الليلة خوفًا وتحسبًا من ردة فعل العرب والمسلمين وخشية انتقامهم لحريق المسجد الأقصى، ولكنها وكما قالت، ” فلما أصبح الصباح ولم أسمع إلا بيانات تشجب وتستنكر، فقد اطمأن قلبي وذهب خوفي“.
وها هو نتنياهو في شهر آب من العام ٢٠٢٥، وقبيل ذكرى حريق الأقصى، فإنه يعلن عن إيمانه وعمله لإقامة إسرائيل الكبرى الممتدة من نيل مصر إلى فرات العراق مرورًا بسوريا ولبنان والأردن وأطراف السعودية.
ومن كان يتوقع بعد هذا التصريح، بل هذه الصفعة في وجوه قادة هذه الدول أن يسمع أكثر من بيانات الشجب والاستنكار فإنه سيكون واهمًا. فمن انخرسوا عن حريق المسجد الأقصى المبارك في آب 1969، فقد انخرسوا أيضًا عن مشروع إسرائيل الكبرى في آب 2025. وإن من صمتوا وانخرسوا يوم حريق المسجد الاقصى، حتى وإن اختلفت أسماؤهم، فإن من ساروا على دربهم وورثوا الحكم أو اغتصبوه بعدهم، فإنهم يصمتون اليوم عن محرقة غزة ولهيب نارها الذي أحرق أهل غزة كلهم، وفيما أوجع حريق غزة قلوب وضمائر زعماء كثيرين من غير العرب والمسلمين، تجمدت في زعماء العرب والمسلمين المشاعر وماتت فيهم المروءة.
لقد أسمعت لو ناديت حيًا لكن لا حياة لمن تنادي
إن من يتساءل ويشكك فيما إذا كانت تسري في عروق بعض هؤلاء دماء العرب والمسلمين فإنه لا يظلمهم.
يا رجال الله اثبتوا
لا شك أن وقع الظلم وحجم الجرم الذي ارتكب بحق أبناء شعبنا أثقل من الجبال الرواسي. ولكن ما هو أثقل منه وأكثر وجعًا وقهرًا هو الخذلان وإدارة الظهر بل والتآمر من أشقاء الوطن والعروبة والدين. لا شك أنها فتنة تجعل الحليم حيران. أليست فتنة ما نراه من سقوط الظالمين من الحكام في مستنقع التآمر والخيانة جهارًا نهارًا؟ ولكن الفتنة الأعظم ما نراه ونسمعه من جيوش جرّارة من المطبّلين لهم والمبرّرين لسقوطهم. وليس أن هؤلاء من عوام الناس بل إنهم كتّاب وشعراء وعلماء ومشايخ أصحاب عمائم ملئت قلوبهم بسوء الفهم وسوء المعتقد والنفاق فزلّت بهم الأقدام، وقد حذّر ربنا سبحانه من مثل هذا الحال لما قال: {وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}[94 سورة النحل].
إنه القلق والخوف الذي يجب أن يلازم كل مسلم من عدم الثبات والسقوط في الفتنة. لقد حذّرنا الله تعالى من الانحراف والزلل بعد الثبات، وليس فقط بعد التردّد والتذبذب {فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا}. فما أكثرهم في هذه الأيام وهذا الزمان أولئك الذين كانوا يُنظر إليهم أنهم جبال من العلم وأنهم قامات في الدعوة، ومنظّرون في القومية والوطنية، وإذا بهم قد أصبحوا يزحفون على بطونهم في حضرة أصحاب الجلالة والفخامة.
فما أحوجنا في هذا الزمان للثبات وعدم السقوط والزلل والتمسك بكتاب الله كما قال تعالى لرسوله ﷺ: {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}[43 سورة الزخرف]. إنه سبحانه يوصيه ليس بالتمسك بل بالاستمساك لضمان الثبات، وإذا كانت هذه وصية الله لرسوله صلى الله عليه وسلم، فنحن بها أولى ونحن لها أحوج .
هذا الزمان الذي فيه يخوّن الأمين ويؤتمن الخائن، ويكذّب الصادق ويصدق الكاذب فاثبتوا، وإياكم وفقدان البوصلة واختلال الموازين فتزلّ أقدامكم بعد ثبوت وثبات.
هذا زمان الرويبضات والسفهاء والعملاء والتافهين والفاسقين وأشباه الرجال الراقصين على كل الحبال، فاثبتوا واكفروا بنهجهم وقولوا لهم {أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ}[67 سورة الأنبياء]، { كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ}[4 سورة الممتحنة].
هذا زمان يعلو فيه صوت المشكّكين والطاعنين، فكونوا من أهل الثبات واليقين وقولوا {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}[سورة البقرة 250].
هذا زمان يقول فيه اليائسون والمحبطون والمخذّلون {مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا}[12 سورة الأحزاب]، فقولوا أنتم واصرخوا في وجوههم {هَٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ۚ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا}[22-23 سورة الأحزاب].
هذا زمان وفي أوج الصراع بين الحقّ وبين الباطل، بين الإسلام وبين أعدائه، فإن هناك من يختارون الوقوف على الحياد أو ما يسمونها المنطقة الرمادية معتبرين ذلك ذكاء ودهاء سياسيًا وواقعية، لا بل إنهم يعيبون على من ينحازون للإسلام والحق بشكل واضح وبلا تردّد وبلا تلعثم، أنهم متهورون ومتحمسون ولا يتقنون فنون السياسة والمشي بين النقاط. ولقد وصف الله جل جلاله المسلمين الذين يختارون الوقوف على الحياد في أوج معركة الحق والباطل بأنهم المنافقون ئوالمذبذبون {مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَٰلِكَ لَا إِلَىٰ هَٰؤُلَاءِ وَلَا إِلَىٰ هَٰؤُلَاءِ}[143 سورة النساء].
فكونوا مع الإسلام ومع الحق بلا تلعثم، وإياكم أن تكونوا مع المذبذبين الراقصين على كل الحبال، وتمثّلوا وصية سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه لما قال: “إن السلطان وإن القرآن ليفترقان فدوروا مع القرآن حيث دار”.
وإذا كان أصحاب رسول الله ﷺ الذين ثبتوا في جبل أحد قد قالوا:
سنظلّ في جبل الرماة وخلفنا صوت النبي يهزنا لا تبرحوا
فقولوا أنتم يا أحباب محمد ﷺ في هذا الزمان:
سنظلّ في الأقصى الشريف وخلفنا صوت النبي يهزّنا هيا اثبتوا
أحلام الأمس حقائق اليوم
إن اليائسين والمحبطين والمخذّلين هم الذين يروّجون ويصدعون رؤوسنا صباحًا ومساء بأن الإسلام ضعيف وأعداءه أقوياء، وأنه لا قِبل لنا بهم، وما علينا إلا رفع الراية البيضاء، وأن نستسلم بالأمر الواقع، وألّا نسبح بمعاكسة الموج لأننا سنغرق وما علينا إلا أن نضع رؤوسنا بين الرؤوس ونقول: “يا قطّاع الروس”.
إنهم يهزؤون حتى من تفاؤلنا وأنَّ هذا التفاؤل بعودة الإسلام وانتصاره ما هو إلا أحلام يقظة لن تتحقق أبدًا. لهؤلاء نقول إن قصة يوسف عليه السلام التي وصفها الله بأنها احسن القصص { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} [3 سورة يوسف] قد بدأت بحلم وانتهت بحقيقة، بدأت بقول يوسف {يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ}[4 سورة يوسف] وانتهت بقول يوسف عليه السلام {يَا أَبَتِ هَٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا}[100 سورة يوسف] ليكون يوسف حقًا وصدقًا عزيز مصر فلا تباع حبة قمح في مصر إلا بإذنه.
وإذا كانت قصة يوسف وهي أحسن القصص، قد بدأت بحلم وانتهت بحقيقة، فإن قصة شعبنا الفلسطيني وهي أغلى القضايا وأشرفها، قد بدأت بمأساة وستنتهي هذه المأساة بوعد، لقد بدأت بوعد بلفور وستنتهي هذه المأساة بوعد الله وعد الآخرة {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا}[7 سورة الإسراء]. لقد قال الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله: “لا تيأسوا فليس اليأس من أخلاق المسلمين، فحقائق اليوم أحلام الأمس وأحلام اليوم حقائق الغد، ولا زال في الوقت متّسع”.
لا تسيئوا الظنّ بربكم
ما أكثرها الامبراطوريات والأمم التي سقطت وتجبّرت ولكنها لن تفلت من عقاب الله وسننه في أخذ الظالمين والانتقام منهم، وسواء كان هؤلاء الفراعنة أو الأكاسرة أو الروم أو كان من هؤلاء عاد وثمود وقوم لوط وغيرهم من أمم طغت وتجبّرت فجرى عليها قانون الله العادل {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ *إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ*الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ*وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ*وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ*الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ*فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ*فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ*إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ}[6-14 سورة الفجر].
إن سقوط الظالم لا يحتاج إلى تفسير وظرف منطقي ومقنع ليفسر بسبب سقوطه وزواله، فإن من الامبراطوريات والقوى الظالمة من يكون سقوطها فجأة وغير متوقع فيكون السقوط مدويًا وعبرة وصاعقًا. يقول الشيخ عبد العزيز الطريفي فك الله أسره من سجون محمد بن سلمان: “سقوط الظالم يكون فجأة وغير متوقع، وإذا رأيت الناس يستبعدون سقوط الظالم قريبًا فاعلم أن هذا هو وقت زمان سقوطه المناسب {فَأَخَذْنَاهُم بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ}. وأما ابن القيم رحمه الله فقد قال: “من ظنّ أن الباطل سينتصر على الحق فقد أساء الظن بالله تعالى”.
إنه وبمجرد أن يوسوس لأحدنا شيطانه في لحظة ضعف إيماني أو هزال معنوي وشعور بالخذلان من الأشقاء وشدّة البطش من الأعداء فيظنّ أن الباطل سيهزم الحق وينتصر عليه فإنه بذلك يكون قد أساء الظنّ بالله تعالى بل وأساء الأدب مع ربه سبحانه. لأن المسلم يجب أن يكون على يقين مثلما أن الله واحد لا شريك له فإن الحقّ سينتصر على الباطل.
نعم قد يعربد الباطل ويتطاول في صولة أو صولات، وقد يعلو صوت الباطل على صوت الحقّ مرة أو مرات، وقد ينتصر الباطل على الحقّ في جولة أو جولات، لكن الجولة الأخيرة والصولة الحاسمة لن تكون إلا للحق وللإسلام {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ}[18 سورة الأنبياء] فأحسنوا الظنّ بربكم فإنه سينجز وعده وينصر أولياءه ويتم نوره ولو كره الكافرون، وإن غدًا لناظره قريب فيا رجال الله اثبتوا.
نحن إلى الفرج أقرب فأبشروا.
رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة.
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.